خطورة الوضع الأمني ودوامة اختطاف المراسلين في العراق يحتمان على وكالات الأنباء العالمية الاستعانة بمراسلين محليين. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو، هل يختلف مصير هؤلاء فعلا عن مصير زملاءهم الأجانب؟
خطر الموت يتوعد الصحافيين في العراق يوميا
مع ازدياد الوضع الأمني خطورة وبسبب موجة اختطاف المراسلين الأجانب في العراق يضطر الصحافيون الأجانب مغادرة البلاد حفاظا على سلامتهم ويؤثرون المكوث والعمل في البلدان المجاورة مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت. وكالات الأنباء العالمية مثل الألمانية "دي إيه بي" والفرنسية " فرانس برس" ترى أن الحل يكمن في اعتمادها على مراسلين محليين وذلك لأنهم لا يلفتون أنظار الجماعات المسلحة ولا يتعرضون للاختطاف والتنكيل بتلك الصورة حال المراسلين الأجانب. ولكن واقع الصحافة في العراق أكثر تعقيدا من ذلك، فالمراسلون العراقيون أيضا يقومون بعملهم في ظل ظروف مستعصية للغاية في بلد يسوده العنف والإرهاب، ناهيك عن التحديات الكامنة في تخطي العقبات التي تضعها بطريقهم كافة الجهات والأطراف المشاركة بشكل أو بآخر في تردي الوضع الأمني الراهن الذي بات يشبه حربا أهلية شعواء. ولعل "قناة الجزيرة" خير مثال على ذلك، فهي من ناحية منعت من العمل في العراق من قبل الحكومة العراقية وبمباركة أمريكية، ولكنها تتعرض من ناحية أخرى لاتهامات الجماعات العراقية المسلحة.
عمليات مداهمة في العراق راقبتها عدسات المصورين
تعتبر منظمة "مراسلون بلا حدود" العراق أخطر بلد في العالم بالنسبة للعاملين في مجال الإعلام، حيث تفيد المنظمة أن ثمانين صحافيا قد لقوا مصرعهم منذ اندلاع الحرب في العراق عام 2003. غير أن الوضع الأمني المتدهور في البلاد لا يشكل خطرا على حياة الصحافيين الأجانب فحسب، بل والمراسلين العراقيين أيضا، كما يفيد تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود". وللوقوف على حقيقة الأوضاع التي يعيشها صحافيو العراق قمنا بالاتصال مع بعض الإعلاميين العراقيين الذين يعملون ويقيمون في العراق ولكنهم طلبوا عدم الإشارة إلى أسماءهم في مقالنا، الأمر الذي يمكن ان يعتبر إشارة واضحة إلى الأوضاع الأمنية المزرية التي يعيشونها. أحد هؤلاء الصحفيين الذي عمل لمدة طويلة في العراق قال "إن وكالات الأنباء الكبرى، عربية كانت أم أجنبية، أقامت مكاتبها في أماكن محمية من قبل الجهات الأمنية وهي تعمل مع شبكات محلية من الصحفيين الذين توكل إليهم القيام بالأعمال الصحفية الميدانية." ولكن هؤلاء الصحافيين، رغم أنهم عراقيون، يواجهون صعوبات أمنية حقيقية في الوصول إلى مكان الحدث. وفي غالب الأحيان لا يخرجون إلا متخفين إلى الأماكن الساخنة أو مكان حدوث عملية ما، هذا إن كان ذلك ممكنا أصلا، على حد الصحفي العراقي، الذي أضاف قائلا: "إن المراسلين لا يكشفون عن هويتهم إلا إذا كانت مهمتهم تغطية حدث ما، مثل جلسة برلمانية أو حكومية، "بالمنطقة الخضراء"، وهي المنطقة التي تقع تحت حراسة أمنية مشددة من قبل الجهات الأمنية القومية والأجنبية.
حضور الإعلام العربي وحرية الصحافة
العنف لا يزال يخيم على العراق
وفيما يتعلق بحضور الإعلام العربي عامة في العراق، قال الصحفي العراقي خلال حديثه معنا إن هذا الحضور محدود للغاية، نظرا لأن موقف الإعلام العربي من الوضع الراهن في العراق ليس حياديا، بل إنه يتسم، على حد تعبير الإعلامي، "بطابع تدخلي في شؤون العراق الداخلية." المسألة هنا تتعلق إذن بموقف شبكات الإعلام العربية نفسها. فالمحطات التلفزيونية العربية التي تتعامل بطابع نقدي واضح إزاء الاحتلال الأمريكي للعراق وتقدم في برامجها أخبارا تفصيلية عن نجاح عمليات المسلحين العراقيين المناوئين للاحتلال والحكومة، هي المصدر الأول للأخبار في المناطق الغربية من العاصمة بغداد. وفي معرض رده على سؤال حول حرية الصحافة العراقية وفيما إذا كانت تتعرض للرقابة من أي جهة رسمية عراقية، قال الصحفي العراقي "إن المراسلين في العراق لا يتعرضون لأي نوع من أنواع الرقابة من أي جانب رسمي". وتحدث فضلا عن ذلك عن "حرية صحافة مفرطة"، معزيا ذلك إلى ضعف السلطة وغياب الحكومة العراقية في كثير من الأحيان. ونوه الصحفي العراقي الى دور قوات التحالف التي تنادي، حسب رأيه، بحرية الإعلام وتطالب باستمرار بمزيد من الشفافية الإعلامية في حماية حرية الصحافة والتعبير عن الرأي في العراق.
صحافة ميدانية في الخفاء
مراسل عراقي آخر من مدينة الموصل، طلب هو الآخر عدم ذكر اسمه، اشار في حديثه لموقعنا الى المضايقات البالغة التي يواجهها الصحفيون من قبل شتى الجهات والأطراف، سواء كانت القوات الامنية العراقية أم قوات الاحتلال. وأفادنا أن 13 إعلاميا وصحفيا لقوا حتفهم منذ اندلاع الحرب في العراق عام 2003 في أحداث اختطاف وقتل من قبل الجهات الأمنية العراقية وقوات التحالف والجماعات المسلحة في مدينة الموصل وحدها. وأضاف قائلا: " أنا شخصيا أقوم بتحريات ميدانية وأخرج بنفسي إلى الشارع لكي أتمكن من تغطية الأحداث واللقاءات المختلفة. غير أنني أضطر في كثير من الأحيان إلى التخفي وإلى استخدام اسم مستعار مثلا. كما وأحرص أنا وزملائي على أن لا نصحب معنا إلا كاميرات صغيرة لا تلفت الأنظار إلينا لكي لا تتمكن الأطراف المختلفة من كشف هويتنا كصحافيين." أما المشكلة الأخرى التي يعانون منها فهي قلة تعاون الجهات الرسمية وقوات التحالف معهم، وإحجامهم عن تزويدهم بمعلومات وافية عن الأحداث والانفجارات المختلفة التي تحدث يوميا في البلاد بحجة الوضع الأمني الخطير. وأضاف قائلا: "إن ما ينطبق على الصحافيين في مدينة الموصل ينطبق على كافة الصحافيين في العراق بأسره."
ما أفادنا به المراسلون الذين تسنت لنا فرصة الحديث معهم ما هو إلا صورة عامة عن طبيعة وظروف عمل المراسلين والإعلاميين المحليين وعما يتعرضون له من العنف والتنكيل في العراق، دون التطرق إلى تفاصيل حول فظاعة ما يعيشونه فعلا. وقد ذكروا لنا بعض الأسماء لصحافيين عراقيين تعرضوا لقسط بالغ من التعسف والتنكيل، والتي يتعذر علينا ذكرها حفاظا على سلامتهم.