ينتهي الحق عندما تبدأ حقوق الآخرين

blog image
  • 18-09-2017, 12:55
  • 3

 

القاضي جعفر كاظم المالكي

الحق هو وسيلة لتحقيق مصلحة مشتركة، والقانون هو الذي يقرر هذه المصلحة والحق أيضا هو قدرة إرادية يعترف بها القانون للغير ويكفل حمايتها أو هو ما يستطيع الفرد العمل به في إطار الشرعية القانونية.

وقد اجمع الفقهاء على عدم إمكانية تحديد تعريف جامع للحق بسبب اختلاف القواعد التي تحكم مفهومه. والشريعة الإسلامية ترى في الحق الحقيقة المثلى او بمعنى اليقين او العدالة وهو قرينة للمثل العليا. أما الحقوق الوضعية فهي التي يقررها القانون الوضعي او العرف او ما استقر عليه القضاء وهي مصلحة ذات قيمة مالية يقررها القانون للفرد.

 وهنا لابد من الإشارة إلى نص المادة 7 من القانون المدني العراقي التي نصت ((1 ــ من استعمل حقه استعمالا غير جائز وجب عليه الضمان . 2 ـ ويصبح استعمال الحق غير جائز في الأحوال الآتية : أ ـ إذا لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الإضرار بالغير . ب ـ إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها غير مشروع )).

 ومن ابرز النظريات التي عالجت مفهوم الحقوق ومدى اتساع رقعتها أو تقلصها او انطوائها تحت بوتقة التطبيق هي نظرية التعسف باستعمال الحق اذ يذهب العلامة بلانيول إلى ((التعسف في استعمال الحق هو خروج عن الحق إذ أن الحق ينتهي حيث يبدأ التعسف ولا يمكن ان يكون هناك تعسف في استعمال الحق ما.

 والسبب في ذلك أن العمل الواحد لا يمكن أن يكون في وقت واحد متفق مع القانون ومخالف له في وقت واحد، كما يذهب العلامة السنهوري الى ان الخروج عن الحق هو احد امرين احدهما خروج عن الحق والآخر هو التعسف في استعماله.

 وقد أخذت التشريعات الفرنسية والألمانية والروسية والايطالية بهذه النظرية حيث نصت المادة 226 من التقنين الألماني على أنه ((لا يجوز استعمال حق لمجرد الإضرار بالغير))، كما أن المفاهيم الخاصة لهذه النظرية قد انتقلت الى التشريعات العربية ومنها القانون المدني المصري حيث جاء في المذكرة الإيضاحية ((ان المشرع احل النص الخاص بتقرير نظرية التعسف في استعمال الحق مكاناً بارزا بين النصوص التمهيدية لان هذه النظرية من معنى العموم ما يجعلها تنبسط على جميع نواحي القانون دون ان تكون مجرد تطبيق لفكرة العمل غير المشروع)) ويتمخض عن ذلك أن الأساس القانوني لتطبيق النظرية هو المسؤولية التقصيرية لان التعسف هو الخطأ بعينه الذي يوجب التعويض ــ والتعويض على هذه الصورة كالتعويض عن الخطأ في صوره الاخرى ــ أي يمكن ان يكون نقدا او عينا.

 و المعيار الذي يقوم عليه التعسف هو تجاوز لحدود الرخصة التي يقوم عليه الحق اذ يجب على صاحب الحق ان يلتزم بالحدود المقيدة لهذا الحق او لتلك الرخصة وعليه ان لا ينحرف عن السلوك المألوف للشخص العادي فاذا انحرف عن هذا السلوك ــ حتى وان لم يخرج عن حدود الحق ــ عد انحرافه هذا خطأ يحقق المسؤولية. على ان هذا الانحراف لا يعتد به إلا إذا اتخذ صورة من الصور التي حددها القانون أي أن مجرد الانحراف لا يكفي لوحده لتحقيق المسؤولية ما لم يكن قصد الفاعل الإضرار بالغير أو رجحان الضرر على المصلحة رجحان كبير أو انه يحقق بذلك مصلحة غير مشروعة.